شكل اتفاق أوسلو ضربة مباشرة للقضية الفلسطينية بالتنازل عن فلسطين التاريخية وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة وتقرير المصير. الامر الذي دفع اللاجئين الفلسطينيين إلى الإصرار على التمسك بقضيتهم وحقوقهم المشروعة.
كما أن انهيار وتراجع مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو وتراجع تأثير فصائل العمل الوطني ساهما في تعميق حالة الشعور بالاغتراب وانعدام الأفق لدى الشارع الفلسطيني.
الأمر الذي دفع بأبناء المخيمات إلى تشكيل العديد من الحركات المطلبية والأطر الجماهيرية وعلى رأسها لجان حق العودة ومنظمات ومبادرات شعبية أخرى كانت مؤسسة جفرا احداها حيث تبنت تأطير العمل الشبابي الفلسطيني والتركيز على العمل في المخيمات الفلسطينية وبين اللاجئين الفلسطينيين بهدف تمكين الشباب وتبادل الخبرات فيما بينهم وتعزيز الهوية الوطنية الفلسطينية وآليات الصمود داخل مخيمات وتجمعات اللاجئين.
وكان للإنتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 أثر كبير في إعادة الأمل للاجئين الفلسطينيين للحصول على حقوقهم المشروعة.
في ظل هذه الظروف انطلقت مؤسسة جفرا من مخيم اليرموك في دمشق (عاصمة الشتات الفلسطيني) في عام 2002 تحت اسم مركز جفرا الشبابي على يد مجموعة من الشباب الفلسطيني متعدد الاطياف والمشارب والانتماءات السياسية تحت إطار العمل الشبابي الفلسطيني الملتزم بتمكين الشباب الفلسطيني اللاجئ والحفاظ على هويته الوطنية.
وقد تركزت نشاطات المؤسسة في سوريا في الفترة الممتدة من عام 2002 وحتى 2011 على برامج موجه لفئتي الشباب والأطفال تهدف إلى تمكين وتدريب وبناء خبرات الشباب في المخيمات الفلسطينية ليكونوا صوتاً للاجئين الفلسطينيين ولمواجهة محاولات التصفية التي تمر بها القضية الفلسطينية وتعزيز صمودهم ومشاركتهم الفاعلة في مخيماتهم وذلك من خلال البرامج الثقافية والفنية المختلفة وإحياء المناسبات الوطنية بالإضافةإلى إقامة العديد من الدورات التدريبية لبناء القدرات والقيادات الشبابية والنشاطات التعليمية ودورات الكمبيوتر والإنكليزي هذا بالإضافة إلى المخيمات الشبابية ومخيمات الأطفال التي كانت تقام سنوياً.
كما استضافت المؤسسة العديد من الوفود والمشاركين من كافة أرجاء العالم من المتضامنين مع القضية الفلسطينية واللاجئين الفلسطينيين كما شاركت المؤسسة في العديد من المخيمات الشبابية في عدة بلدان عربية وأوروبية في تلك الفترة لتبادل الخبرات والتجارب بين المخيمات الفلسطينية وتعزيز حملات مناصرة القضية الفلسطينية والتعريف بقضية اللاجئين الفلسطينيين ومواجهة مشاريع التصفية.
جفرا سوريا
استمرت مؤسسة جفرا منذ عام 2002 ببرامجها الاجتماعية والثقافية والشبابية حتى عام 2011 وبدء الأزمة في سوريا.
حيث بدأت موجات المهجرين بسبب تزايد أعمال العنف وتدهور الأوضاع الأمنية بالوصول إلى مخيم اليرموك بحثاً عن الملجأ والأمان، فقد توافدت آلاف الأسر المهجّرة إلى مخيم اليرموك حتى تاريخ 16/12/2012 حيث أقامت في المدارس التي تحولت لمراكز إيواء بالإضافة إلى الشقق المستأجرة. وكان أغلبهم من الغوطة الشرقية والقابون وحمص بالإضافة إلى الحجر الأسود والتضامن.
وبناء على الاحتياجات المستجدة قامت مؤسسة جفرا بتعديل برامجها وسياساتها لتركز على العمل الإنساني والإغاثي مثل إدارة النفايات والمياه والإصحاح وتوزيع السلل الغذائية.
وبعد ارتفاع وتيرة الأزمة في سوريا وتهجير أهالي مخيم اليرموك تزايدت الحاجات الإنسانية في المخيمات وتوقفت بعض الخدمات الأساسية مثل جمع النفايات والتعليم والمياه فكان على المؤسسة أن تعمل على توسيع إطار عملها ليشمل الطوارئ والعمل الإنساني المتمثل في إدارة النفايات والمياه والإصحاح وإدارة المخيمات وتوزيع السلل الغذائية بالتزامن مع النشاطات التعليمية والشبابية والتركيز على إيجاد الحلول البديلة والمستدامة. مثل الزراعة وإعادة تكرير النفايات والتعليم البديل مع الاستمرار في النشاطات الاجتماعية والتنموية وتطوير سبل العيش.
وقد تركزت هذه البرامج منذ عام 2012 وحتى عام 2022 في قدسيا وضاحية قدسيا ومخيم جرمانا وخان الشيح ومخيم اليرموك ومخيم حمص بالإضافة إلى جنوب دمشق (يلدا – ببيلا – بيت سحم) التي انتقل إليها لاجئو مخيم اليرموك عام 2015 بعد دخول تنظيم داعش إلى المخيم.
هذا بالإضافة للعديد من المناطق التي تم الوصول إليها والعمل فيها بشكل موسمي على شكل حملات إغاثية أو إنسانية أو دورات تدريبية ودعم نشاطات تعليمية مثل الحسينية وصحنايا وبرزة وغيرها.
عملت المؤسسة على مبدأ شمولية العمل بسبب تعدد الاحتياجات وحجم الكارثة التي يتعرض لها اللاجئون الفلسطينيون في المخيمات الفلسطينية وخارجها نتيجة اشتداد وتيرة المعارك ودخول بعض المخيمات في دائرة الأعمال العسكرية المباشرة مثل مخيم درعا وتجمع المزيريب ومخيم السبينة وتجمع الحسينية ومخيم اليرموك ومخيم خان الشيح ومخيم حندرات كما وجد لاجئو مخيم اليرموك انفسهم مرة أخرى عالقين في النزاع الدائر في قدسيا بعد نزوحهم إليها.
كان الأساس الناظم للعمل في كل المناطق هو حماية المدنيين والمخيمات الفلسطينية وبالذات الأطفال ومتابعة .العملية التعليمية بالتعاون مع المنظمات المحلية والمؤسسات التعليمية للأطفال
وبهذا استمرت المؤسسة بتقديم خدمات التعليم البديل للاجئين في أصعب الظروف في محاولة للحيلولة دون خسارة الأطفال لأعوامهم الدراسية أو فرصتهم في التعليم، والتغلب على الظروف الصعبة في تأمين أماكن صديقة وآمنة للطفل.
وهنا لابد لنا من أن نثمّن عالياً الدور الكبير للمؤسسات والمدارس البديلة التي تشكلت خاصة في مخيم اليرموك والمنطقة الجنوبية ومنها مدرسة الجرمق البديلة والتي قامت بعمل هائل وجبار على المستوى التعليمي لأبناء من بقي في مخيم اليرموك من عائلات وكذلك المتطوعين من الكادر التعليمي والكادر الإداري الذي واصل العمل ليلاً ونهاراً محاولاً إنقاذ العملية التعليمية ومساعدة الطلاب للالتحاق بالامتحانات الرسمية الحكومية وضمان نتائج وشهادات معترف بها أصولاً.
كما نشط طاقم عمل جبار من الأساتذة والإداريين وخاصة في مخيم خان الشيح وقدسيا ومخيم جرمانا وحمص الأمر الذي ترك أثرا إيجابيا من ناحية تقديم خدمات التعليم للشهادتين الإعدادية والثانوية وكان على رأسهم العديد من الأساتذة المعروفين في هذا المجال والمتفانيين في العمل من أجل تعليم الأطفال والشباب وتمكينهم من اجتياز امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية.
أضافت المؤسسة بند العمل الاغاثي والإنساني وأعطت أولوية هذا العمل للأماكن الأكثر صعوبة للوصول مثل مخيم اليرموك ومخيم خان الشيح بحيث توقفت عن هذه المناطق الخدمات البلدية وتعطلت الخدمات الأساسية فيها من ماء وكهرباء وخدمات صحية ونظافة حيث باتت الأحياء مهددة بانتشار الامراض وازدياد الأوضاع سوءا إذا انتشرت النفايات وتراكمت بالتزامن مع انقطاع المياه والكهرباء عن المنطقة.
كان خروج أي منطقة عن سيطرة الدولة يؤدي بشكل أتوماتيكي إلى توقف خدمات البلدية بشكل طبيعي مترافقا مع توقف خدمات الأونروا في تلك المنطقة مما ساهم بزيادة الاحتياجات وتدني الخدمات او انقطاعها بشكل كامل. فقد توقف العمل بكافة منشآت الأونروا التعليمية والصحية والخدماتية داخل المخيم لأسباب أمنية بعد خروج هذه المناطق عن سيطرة الدولة. كما كان من الممكن أن يؤدي خروج أي منطقة عن سيطرة النظام إلى حصارها أو عزلها (كماهو الحال مع مخيم اليرموك الذي تعرض إلى حصار جزئي أعقبه حصار كامل في الفترة الممتدة بين 16-12-2012 وحتى شهر حزيران 2018) بشكل كلي وبعدها الى إغلاق محدود إلى حين عودتها إلى سيطرة القوات الحكومية. كما تم فرض إجراءات أعاقت دخول المواد الغذائية والصحية إلى مخيم خان الشيح وغيره من الأماكن المحاصرة في ذلك الوقت. كما .أعاقت الأعمال الحربية والعسكرية إدخال المواد الغذائية إلى قدسيا البلد أكثر من مرة خلال سنوات الحرب الأولى
ومن هنا بدأ عمل جفرا في هذه المخيمات يأخذ طابع العمل الانساني بشكل أكبر من ناحية توزيع السلل الغذائية أو الصحية أو حتى توفير الوقود للتدفئة بالإضافة إلى تأمين مياه الشرب والإصحاح بعد انقطاع المياه وأيضا الاهتمام بالنفايات في المخيمات فقد عملت المؤسسة وعلى مدى السنوات السابقة على تنفيذ هذه الخدمات في مخيم اليرموك وخان الشيح وجنوب دمشق إلى حين عودة خدمات البلدية إليها بعد استعادة السيطرة عليها من قبل القوات الحكومية ودخول الأونروا إليها.
كان على فريق المؤسسة وبالتعاون مع المنظمات الدولية الشريكة والمؤسسات المتخصصة العمل بشكل سريع على بناء قدرات العاملين في المؤسسة وفرقها الأساسية وبهذا تم تنظيم دورات في إدارة المشاريع وإدارة المنظمات والقانون الدولي الإنساني ودورات في الحماية والسلامة والإدارة المالية واللوجستية وتحليل المخاطر وإعداد السياسات الداخلية والخارجية والهيكليات المناسبة لتطوير العمل وتوسعته مع الحفاظ على خصوصية المناطق والمخيمات وأوضاعها وخلفياتها المختلفة والمتراكبة. استفادت المؤسسة من الخبرات المحلية المتوافرة في سوريا وعملت على احتضانها وتطويرها لتتلاءم مع العمل الإنساني والعمل في ظروف الطوارئ. كما تم وضع خطط طوارئ وخطط احتياطية مما ساعد على استمرار العمل والقدرة على التفكير مسبقاً وتوقع ما يمكن أن يحدث وما الذي يتوجب التحضير له في سيناريوهات مشابهة.
أكدت المؤسسة على ضرورة الاستمرار في كافة المناطق وبالذات التي خرجت منها الأونروا أو التي لم تعد تستطيع الوصول إليها كما عملت على تعزيز التواصل بين هذه المخيمات وفتح قنوات التواصل والحوار المبني على مصالح اللاجئين والمدنيين وبهذا تعرضت لضغوط كبيرة وصلت في بعض الأحيان إلى المضايقات وحالات خطف واعتقال. ولكن المؤسسة وفريقها حافظ على إصراره على الانحياز للمخيمات والمدنيين ومصالحهم مع الدعوة إلى وقف أعمال العنف وعدم انخراط اللاجئين فيها.
شكل فريق المؤسسة نموذجاً للعمل الإنساني كما لعب دوراً في تهدئة الصراع لتحقيق الصالح العام لكل المدنيين في .المنطقة
حيث قدم فريق مخيم خان الشيح نموذجا يحتذى به في العمل الإنساني والتفاني في خدمة المخيم ومصالح القاطنين فيه وتأمين الخدمات الأساسية للسكان من مياه وإدارة نفايات وسلل غذائية وملاجئ, هذا بالإضافة الى تشكيل قوة ضغط مدنية على المسلحين برفض المظاهر المسلحة في المخيم أو القيام بأعمال عسكرية انطلاقاً منه وعلى الرغم من الظروف الصعبة والقاسية التي كان يمر بها المخيم نتيجة الأحداث وتصاعد وتيرة العمليات الحربية بمرور الوقت الأمر الذي أدى إلى استشهاد أكثر من متطوع من عمال النظافة والمياه في المؤسسة إلا أن الفريق المسؤول عن العمل في مخيم خان الشيح آثر المتابعة في تنفيذ واجباته تجاه المخيم والأهالي بهدف تعزيز صمودهم ودعم إرادتهم في البقاء، إلى وقت عقد اتفاقية المصالحة نهاية العام 2016 والتي تم من خلالها إخلاء المخيم من المسلحين.
وبناء على الدور الضامن الإيجابي والمحايد التي لعبته المؤسسة في جميع مناطق عملها، قام مكتب المؤسسة في قدسيا باستقبال وفد لجنة المصالحة عند إعلان تشكيلها.
أما بالنسبة لمخيم اليرموك الذي تعرض فريقه لتبدلات عديدة بسبب التهجير المتكرر وذهاب الكوادر ومجيئ غيرهم فقد أدى ذلك الى وصول متطوعي مخيم اليرموك إلى كل المخيمات وانضمامهم للفرق العاملة فيها. كما شكلوا نواة العمل في قدسيا وضاحية قدسيا والمكتب الرئيسي للإدارة في دمشق.
وقد تعرض فريق مخيم اليرموك في تلك الفترة للعديد من المخاطر والتحديات الإنسانية الخطيرة بسبب الأعمال الحربية وانعدام المواد الغذائية والطبية الأساسية بالإضافة إلى الصعوبات التي تعرض لها ملف التعليم من مخاطر تحول دون استمراريته حيث تعرض المتطوعون داخل المخيم للقتل والاعتقال والاختطاف والإصابة وكما تعرضت مقار المؤسسة وآلياتها للاستهداف. رغم كل ذلك استمرت جفرا في تقديم خدماتها ولم تتوقف يوماً واحداً عن أداء واجبها في تقديم خدمات النظافة والمياه والزراعة والتعليم ونشاطات الأطفال والشباب بالإضافة للسلل الغذائية والصحية والمشاريع التشغيلية التي تم إنشاؤها في المخيم لدعم وإسناد اللاجئين الأكثر ضعفاً فيه.
عملت المؤسسة في مخيم اليرموك على التعاون مع العديد من المؤسسات والمنظمات والمجموعات المحلية الإنسانية العاملة والفاعلة في المنطقة وتعزيز مبدأ التشاركية في تحمل المسؤولية.
كما أفردت المؤسسة حيزاً مهماً لخلق ممرات إنسانية آمنة من أجل إدخال المواد الاغاثية إلى مخيم اليرموك ومخيم خان الشيح. وحصلت المؤسسة على عدد من الموافقات لإدخال الأغذية مباشرة بعد السماح للأونروا بإدخال أول دفعة مساعدات غذائية إلى مخيم اليرموك.
في تلك الفترة تبوأ الفريق العامل في دمشق موضوع التنسيق والإدارة والدعم اللوجستي للمؤسسة وحتى إدارة الموارد البشرية حيث وصل عدد العاملين في جفرا من كوادر إدارية وتعليمية ومتطوعين وغيره من الفرق العاملة إلى حوالي 600 متطوع ومتطوعة وبهذا كان هناك الكثير من العمل الإداري والمالي واللوجستي والعديد من المخاطر التي كان لا بد من تفاديها وتحييدها هذا. بالإضافة إلى ضرورة وجود المهارة والكفاءة الإدارية والمالية واللوجستية وحتى عملية المراقبة والتقييم والمتابعة مع المنظمات الشريكة والتي كانت بأغلبيتها من المنظمات الدولية الإنسانية.
جفرا اليونان
تزامن بدء العمل في لبنان واليونان مع قيام المؤسسة بإعادة رسم هيكليتها وإقرار استراتيجيتها، فقد بدأ العمل في اليونان مع وصول متطوعي المؤسسة مع اللاجئين إلى اليونان عبر المياه التركية وبهذا تم تأسيس فريق مؤلف من المتطوعين السابقين في المؤسسة من سوريا، حيث ضم الفريق بعض المتطوعين من مخيم اليرموك ومخيم خان الشيح وغيره من المخيمات منذ عام 2015 بالتزامن مع موجة اللجوء الكبرى إلى أوروبا. عمل الفريق التطوعي في اليونان في مخيمات اللاجئين وقدم العديد من الخدمات التعليمية ونشاطات الأطفال وتمت رعاية مركز لجوء للنساء اللواتي وصلن دون عوائلهن وغيره من الخدمات التدريبية والتعليمية للاجئين الشباب في اليونان. انضم للعمل التطوعي في اليونان العديد من اللاجئين السوريين والفلسطينيين والعرب والأجانب من مختلف الجنسيات وقدم الفريق العديد من الخدمات الإنسانية والتعليمية ونشاطات دعم الأطفال بالإضافة إلى الدورات المهنية التي قامت بها المؤسسة في مقرها الرئيسي في أثينا.